صحبة في الله (قصيدة)
بقلم: الدكتور الصادق الرمبوق
حَظِيتُ بِصَحْبٍ لَيْسَ يُشْبِهُهُمْ صَحْبُ … فَحِينَ يَضِيقُ الصَّدْرُ صَدْرُهُمُ رَحْبُ
يَرُومُونَ مِنِّي عِنْدَ يُسْرٍ تَفَقُّدِي … وَإِنْ طَافَ رَيْبٌ لَمْ يَطُلْ بِهِمُ الصَّعْبُ
إِذَا شَتَّتَ النَّفْسَ الزَّمَانُ انْبَرَوْا لَهُ … فَجُمِّعَ مِنْ صِدْقِ الْوِدَادِ بِهِمْ شِعْبُ
وَكَمْ فَاتَنِي مِنْ تَقَاعُسِي فَضْلُ رَكْبِهِمْ… فَأَبْطَأَ رَيْثاً لِلَّحَاقِ بِهِ الرَّكْبُ
وَكَمْ هَدَّنِي ذَنْبِي وَأَلْقَى غَمَامَهُ … وَبَاتَ ثَقِيلَ الْحَالِ مِنْ إِثْمِهِ الْقَلْبُ
فَجِئْتُ إِلَيْهِمْ مُثْخَنَ الصَّدْرِ مَائِلاً … فَطُبِّبَ صَدْرٌ وَاسْتَقَامَ بِهِمْ صُلْبُ
وَكُنْتُ أَسِيرَ الْعُجْبِ فِي غَيْرِ طَائِلٍ … فَأُلْقِمَ خَنْساً مِنْ صِقَالِهِمُ الْعُجْبُ
يُذَكِّرُنِي الْأُخْرَى جُلُوسِي إِلَيْهِمُ … وَيُؤْنِسُنِي بَعْدَ الْبِعَادِ بِهِمْ قُرْبُ
وَأَشْرَبُ صَفْوَ الْأُنْسِ رَوْحاً وَأَحْتَسِي … مِنَ الْحُبِّ كَأْساً يُسْتَطَابُ بِهَا الشِّرْبُ
وَيَخْفِقُ ذِكْرُ اللهِ فِي الْقَلْبِ وَالْحَشَا… وَيَعْلَقُ مِمَّا يُغْدِقُونَ بِهِ الْحُبُّ
وَيُقْبِلُ وَجْدُ الشَّوْقِ مِنْ بَعْدِ فَتْرَةٍ … وَيَسْمُقُ مِنْ بَعْدِ الْقُصُورِ لِيَ الْكَعْبُ
وَيُزْهِرُ فِي نَخْلِي مِنَ الرِّيِّ سَعْفُهَا … وَتَزْهُو تِمَارٌ كَانَ طَافَ بِهَا الْجَدْبُ
أَلاَ إِنَّهُ الْبَوْحُ الطَّرُوبُ بِخُلَّةٍ … كَأَنَّهُمُ إِذْ يَخْفِضُونَ لَنَا تُرْبُ
هُمُ الشَّامَةُ الزَّهْرَاءُ فَجْراً وَفِي الدُّجَى … هُمُ الْآيَةُ النَّجْلاَءُ وَالسَّادَةُ النُّجْبُ
وَصَفْوُهُمُ فِي اللهِ بِلَّوْرُ لُؤْلُؤٍ … وَمِنْهُ يَفِيضُ الْوِرْدُ وَالْمَنْهَلُ الْعَذْبُ
كَمَا الشَّمْسُ لَمْ تُحْجَبْ مِنَ الْوَهْجِ فِي الضُّحَى … فَلَيْسَ لِنُورٍ مِنْهُمُ أَبَداً حُجْبُ
جَزَى اللهُ عَنِّي صُحْبَةً حَيْثُ لَمْ أَزَلْ … إِلَى اللهِ بَيْنَ الصَّادِقِينَ بِهَا أَحْبُو
لَهُمْ فِي عَبُوسِ الدَّهْرِ رَيْثٌ وَمُهْلَةٌ … إِذَا أَذْهَلَ الْأَحْلاَمَ فِي غَيْرِهِمْ كَرْبُ
وَتَهْتَزُّ شُمٌّ يَوْمَ خَطْبٍ وَإِنَّهُمْ … عَلَى ثِقَةٍ حَتَّى يَضِيقَ بِهِمْ خَطْبُ
وَيَنْفُثُ بَأْسُ الْعَصْرِ جَدْباً بِأَنْفُسٍ … وَأُنْسُهُمُ بِاللهِ مِنْ بِشْرِهِمْ خِصْبُ
عَلَى رِسْلِهِمْ يَسْقُونَ بَأْساً لِبَأْسِهِمْ… كَمَا حُمِّلَتْ فِي ثِقْلِهَا مَاءَهَا السُّحْبُ
وَعِنْدَهُمُ لِلْخَصْمِ تَقْدِيرُ مُحْسِنٍ … وَيُولُونَ سِلْماً إِنْ أَحَاقَ بِهِمْ حَرْبُ
وَدَفْعُهُمُ للِنِّدِّ تَدْبِيرُ كَيِّسٍ … وَإِقْدَامُهُمْ عِنْدَ التَّدَافُعِ لاَ يَنْبُو
وَقَوْسُهُمُ لِلْبُغْضِ مَا فِيهِ مَنْزَعٌ … وَمَا شَأْنُهُمْ إِلاَّ النَّصِيحَةُ إِنْ ذَبُّوا
وَفِي رَدْهَةِ الْأَسْحَارِ نَفْثَاتُ شَجْوِهِمْ … عَسَى يُغْدِقُ الْأَلْطَافَ مَوْلاَهُمُ الرَّبُّ
وَلِلْخَلْقِ طُرّاً فِي الْمُنَاجَاةِ لَيْلَهُمْ … عَلَى صِدْقِ حُبٍّ مِنْ دُعِائِهِمُ سَكْبُ