نشر هذا المقال بمجلة منار الهدى العدد التاسع عشر
انهالت أسئلة جمة على أم أيمن غيرت المسار والمسير، ما كانت خريطة حياتها والتي حسبت أنها خطتها لنفسها بإحكام تصبح على هذا النحو، كل شيء تغير بين ليلة وضحاها، وبدأت الأسئلة تتوارد تباع، هل الأحلام تلاشت أم لازال بصيص من أمل يتفتق أمام المرأة التي تخطت منعرجات رغم كبواتها، واستطاعت النهوض والاستمرار وهي تعلم أن لا نهاية للطريق إلا بلقاء المولى عز وجل وقبوله لها كرما منه وفضلا. فما الذي كان وما الذي تغير ؟؟؟
كان يا مكان حلم راود أم أيمن لا تبارحه ولا يبارحها، حلم مجالسة العلماء وسلك دروب العلم واقتناصه حيثما كان، والتماس أهله صحبة ومجاورة.
وغدت قاطرة الزمان على هذا النحو والحلم يتجدد واقعا كلما تيسر لذلك سبيل.
وجاء القدر ومعه أسئلة لا تنفك تخالج ذهن أم أيمن، بل وتعصف بكل الأفكار التي لا تدور في هذا الفلك، ما الذي تغير ؟؟؟
رزقت أم أيمن بطفل ليس كباقي الأطفال، من عالم ملائكي يحسبه البعض رزقا، ويحسبه آخرون ثقلا، هو طفل ينتمي إلى عالم أطفال متلازمة داون، بعضهم يسميهم هرمون السعادة يبتسمون معظم الوقت يميلون إلى الفرح واجتماعيون بطبعهم، لكن…كل هذا لا يشفع لهم في مجتمع ينظر إليهم بعين النقص ويعتبرهم متخلفين عن غيرهم، فاحتياجاتهم وتعلماتهم تختلف عن باقي الأطفال.
هنا بدأت معاناة أم أيمن منذ أخبرت بقدوم هذا الضيف الجديد، وهنا بدأت أسئلتها العالقة، كيف تتعامل معه؟ هل توجد مراكز في بلادنا المتخلفة قادرة على مواكبة مثل هذه الحالات؟ هل توجد مدارس تستوعب هؤلاء الأطفال باحتياجاتهم المختلفة؟ وهل خصصت لهم أماكن بمستشفياتنا المهترئة؟ هل وهل وهل؟
تنزيل نسخة معدلة ذات جودة عالية لمجلة منار الهدى العدد التاسع عشر
بعد أيام التقت ببعض من سبقوها في تجارب مماثلة، فأشاروا عليها بالتوجه إلى دولة من الدول الغربية فهم أكثر اهتماما بهذه الفئة والمستقبل هناك سيكون أفضل لهذا الطفل الصغير، والحقيقة أن أم أيمن داخليا لم ترحب بالفكرة، فتعلقها بوطنها وجذورها جعلها تنبذ كل فكرة تبعدها عنه، لكن ماذا لو…فوتت فرصة تتيح لهذا الطفل مستقبلا أفضل ؟؟ بدأت الحيرة تدب أركان عقلها الذي أنهكته الأسئلة ولا جواب تستقر عليه.
ماهي إلا أيام وعم الوباء «كرونا» أرجاء العالم وبدأت الأسئلة العالقة تجد لها جوابا…جلست أم أيمن تستمع إلى أخبار العالم حول جائحة «كرونا» فإذا بخبر يصعق مسامعها وينخر صرح كل القيم، قررت بعض الدول الغربية إعطاء أولوية العلاج للمصابين بوباء «كرونا» لمن هم أصغر سنا ويتمتعون بسلامة ذهنية وجسدية، وتم حرمان من يعانون من متلازمة داون الحق في العلاج..الحرمان ثم الحرمان..ثم الحرمان..إنها القيم التي بنت عليه الدول الغربية حضارتها إن كان ذلك الهرج والمرج يعد حضارة حقا.
تأملت أم أيمن كثيرا وهي تردد بلسان الحال…ماذا لو كنت هناك وأي مصير سيلقاه ابني؟ إنها أجوبة كرونا عن أسئلة عالقة.